أعلنت دار الإفتاء المصرية عن حلول شهر رجب منذ أيام
كتبت/ خلود زيادة
وشهر رجب من الأشهر الحرم وهو الشهر السابع من السنة القمرية أو التقويم الهجري ويقال: “رجب الرجل الأسد” أي هابه وخاف منه، وكلمة رجب جاءت من الرجوب بمعنى التعظيم، وأيضًا كان يطلق عليه رجب «مضر» لأن قبيلة مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِه الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّه} سورة التوبة(37)، وقيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك، وشهر رجب شهر الانتصارات يذكرنا بمجد كان لأمتنا ففيه كانت غزوة تبوك، وفيه أيضًا كان تخليص المسجد الأقصى من أيدي الصليبين على يد صلاح الدين وفيه حدث الإسراء والمعراج، فجدير بنا أن نتذكر هذه الأحداث ونأخذ منها عبرة وذكرى ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ ق(37).
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر: وضع الحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني رسالة بعنوان: تبيِين العجب بما ورد في فضل رجب، جمع فيها جمهرة الأحاديث الواردة في فضائل شهر رجب وصِيامه والصلاة فيه، وقسَّمها إلى ضعيفة وموضوعة.
وقد فضل الله سبحانه وتعالى بعض الشهور على بعض وفضل بعض الأماكن على بعض، ولكن لا يثبت فضلٌ لزمان ولا لمكان إلا بدليل قطعي ولا بد من التثبت حتى لا يُكذب على رسول الله -ﷺ-، وكثير من الأحاديث جاءت في فضل رجب ما بين ضعيف وموضوع فلا بد من التثبت في النقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن تلك الأحاديث: أحاديث في شهر رجب:
حديث: (اللهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان).
وحديث: (فضل شهر رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام).
وحديث: (رجب شهرُ الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي).
وحديث: (لا تَغفُلوا عن أوَّل جُمُعة من رجب؛ فإنها ليلة تسمِّيها الملائكة الرغائب).
وذكر الحديث المكذوب بطوله.
وحديث: (رجب شهر عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات؛ فمَن صام يومًا من رجب، فكأنَّما صام سَنة، ومَن صام منه سبعة أيام، غُلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومَن صام منه ثمانية أيام، فُتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومَن صام منه عشر أيام، لم يَسأل اللهَ إلا أعطاه، ومَن صام منه خمسة عشر يومًا، نادى مناد في السماء: قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل، ومَن زاد، زاده الله، وفي رجب حمَل الله نوحًا فصام رجب، وأمر من معه أن يصوموا، فجرت سبعة أشهر أُخر، ذلك يوم عاشوراء، أُهبط على الجُودي، فصام نوح ومَن معه والوحش شُكرًا لله عز وجل، وفي يوم عاشوراء فلَق الله البحر لبني إسرائيل، وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم صلى الله عليه وسلم، وعلى مدينة يونس، وفيه وُلد إبراهيم -عليه السلام-).
وحديث: (مَن صلى بعد المغرب أوَّل ليلة من رجب عشرين ركعةً، جاز على الصراط بلا نجاسة).
وحديث: (من صام يومًا من رجب، وصلى ركعتين يقرأ في كل ركعة مئة مرة آية الكرسي، وفي الثانية مئة مرة قل هو الله أحد، لم يمُت حتى يرى مقعدَه من الجنة).
وحديث: (مَن صام ثلاثة أيام من شهرٍ حرامٍ: الخميس، والجمعة، والسَّبت، كتب الله له عبادة تِسعمئة سنة -وفي لفظ- ستين سنة).
وحديث: (صوم أوَّل يوم من رجب كفَّارة ثلاث سنين، والثاني كفَّارة سنتين، ثم كلُّ يوم شهرًا).
الدرجات تلك الأحاديث كلها لا تصح، وهي ما بين باطل، وموضوع، وضعيف.
وفضل رجب داخل في عموم فضل الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ، فَلَا تَظْلِموا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم﴾ (التوبة:36) وعيَّنها حديثُ الصّحيحَيْن في حِجّة الوداع بأنّها ثلاثة سَرْد (أي متتالية) ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ،وواحد فرد، وهو رجب الذي بين جمادي الآخرة وشعبان، وليس رجب (ربيعةَ) وهو رمضان.
ومن عدم الظُّلم فيه عَدَمُ القِتال، وذلك لتأمين الطّريق لزائري المَسجد الحرام، كما قال تعالى: بعد هذه الآية ﴿فإذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُم فاقْتُلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُموهُمْ﴾ (التوبة: 5) ومن عدم الظُّلم أيضًا عدم مَعصية الله، واستَنبَط بعض العلماء من ذلك -دون دليل مُباشر من القرآن والسُّنّة نصَّ عليه- جوازَ تغليظ الدِّية على القَتل في الأشهر الحُرُم بزيادة الثُّلُث.
ومن مظاهرِ تفضيل الأشهر الحرم -بما فيها رجب- نُدِب الصّيام فيها.
كما جاء في حديث رواه أبو داود من مُجيبة الباهليّة عن أبيها أو عمِّها أن النبيّ -ﷺ- قال له بعد كلام طويل-: “صُمْ من الحُرم واتركْ” ثلاثَ مرّات، وأشار بأصابعه الثلاثة، حيث ضمّها وأرسلها والظّاهر أن الإشارة كانت لعدد المرّات لا لعددِ الأيّام.
فالعمل الصالح في شهر رجب كالأشهر الحُرم له ثوابُه العظيم، ومنه الصّيام، يستوي في ذلك أوّلُ يوم مع آخره، وقد قال ابن حجر: “إن شهر رَجب لم يرِد حديث خاصٌّ بفضل الصِّيام فيه، لا صحيح ولا حسن”.
ومن البدع في شهر رجب: يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات: كصلاة الرَّغائب، وإحياء ليلة (27) منه حيث يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج، وكل ذلك بدعة لا يجوز، وليس لها أصل في الشرع، وليلة الإسراء والمعراج لم تُعلم عنها، ولو عُلمت لم يجز الاحتفال بها، لأن النبي -ﷺ- لم يحتفل بها وهكذا خلفاؤه الراشدين والصحابة -رضوان الله عليهم- فلو كان ذلك سنة لسبقونا إليها، والخير في اتباعهم والسير على مناهجهم، كما قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:100].