منصور وحلم الكرة المكسورة
قصة قصيرة
بقلم الدكتور ناصر الجندي
في أحد الأحياء الشعبية البسيطة، كان الطفل منصور يعيش بين أحلامه وطموحاته ليصبح لاعب كرة قدم مشهور مثل محمد صلاح. منصور، الذي لم يتجاوز عمره العاشرة، كان يملك طاقة كبيرة وعشقًا للكرة لا يوصف. كل يوم، كان يرتدي حذاءه الرياضي المتهالك ويحمل كرته الصغيرة متجهًا إلى ملعب الحي الترابي حيث يجتمع الأطفال للعب.
لكن منصور كان مختلفًا عن أقرانه. لم يكن محبوبًا بينهم رغم مهارته الواضحة. كان دائم الشجار، لا يتقبل الخسارة، ويصر على إلقاء اللوم على زملائه إذا لم ينجح فريقه في تسجيل الأهداف. كان كثير الصراخ والغضب، وغالبًا ما تنتهي المباراة بانسحاب اللاعبين بسبب تصرفاته العدوانية.
“أنت لا تصلح للعب معنا، منصور!” قالها علي، أحد الأطفال، بعد أن تطور خلاف بسيط إلى صراخ بينه وبين منصور. جلس منصور على الأرض وحده، يركل الكرة بعصبية، ويدمدم لنفسه: “إنهم يغارون مني لأنني أفضل منهم.”
عاد منصور إلى المنزل في تلك الليلة، وكان الغضب يملأ وجهه. سألته والدته بحنان: “ما بك يا بني؟ لماذا يبدو الحزن في عينيك؟” لكنه تجاهل سؤالها وأغلق الباب على نفسه. كان يشعر دائمًا أن العالم كله ضده، لكنه لم يدرك أن مشكلته تكمن في نفسه.
نشأ منصور في بيئة لم تكن تعطي أهمية كبيرة لتعليم الأطفال كيفية التعامل مع مشاعرهم. كان والده دائم الانتقاد، لا يمدح منصور أبدًا، بل كان يوبخه إذا أخطأ، قائلاً: “لن تصبح شيئًا أبدًا إذا استمريت في هذا الأسلوب!” أما والدته، فقد كانت تبرر سلوكياته دائمًا بقولها: “إنه صغير، سيتعلم مع الوقت.”
لكن منصور لم يتعلم. كان يكبر وهو يعتقد أن الغضب والقوة هما السبيل الوحيد لتحقيق ما يريد.
في يوم من الأيام، قرر مدرب كرة قدم محلي أن ينظم مباراة بين أطفال الحي. كان منصور متحمسًا، ورأى في هذا الحدث فرصة لإثبات نفسه أمام الجميع. أثناء المباراة، لعب منصور بمهارة، لكنه بدأ بالصراخ على زملائه بعد أن أضاعوا فرصة تسجيل هدف.
اشتد الشجار حتى قرر الحكم إيقاف المباراة.
في تلك اللحظة، اقترب المدرب من منصور وقال بحزم: “يا بني، كرة القدم ليست مجرد مهارة، إنها روح جماعية. إذا لم تتعلم التعاون والاحترام، فلن تنجح أبدًا، مهما كنت ماهرًا.”
لكن كلمات المدرب لم تؤثر في منصور. خرج من الملعب غاضبًا، ووعد نفسه بأنه لن يعود. “لست بحاجة إلى أحد!” قالها لنفسه. لكنه في أعماقه كان يشعر بالوحدة.
مرت الأيام، ولم يعد منصور إلى الملعب. بدلاً من ذلك، كان يجلس وحيدًا في الزقاق، يشاهد زملاءه يلعبون معًا بسعادة. شعر بالندم، لكنه لم يعرف كيف يغير نفسه.